تاريخ أسماء البحر الأحمر

البحر الأحمر: تاريخ تسميته وأسماؤه عبر العصور

يعد البحر الأحمر واحدًا من أبرز المسطحات المائية في العالم، إذ يقع بين قارتين، آسيا وأفريقيا، ويمتد من الجنوب من البحر العربي وصولًا إلى الشمال حيث يلتقي مع البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. لكن ماذا كان يُطلق عليه في العصور القديمة؟ وما هي الأسماء التي حملها هذا البحر عبر العصور؟ لنغص في تاريخ البحر الأحمر وأسمائه المختلفة التي ارتبطت به على مر العصور.

1. البحر الأحمر في العصور القديمة

عُرف البحر الأحمر في العصور القديمة بعدد من الأسماء التي تعكس تاريخه الطويل والمتنوع، وتترجم العلاقات التي كانت تربط الشعوب التي عاشت حوله. بداية، كان هذا البحر يُعتبر طريقًا مهمًا للتجارة والسفر، حيث ربط بين المناطق المتنوعة في الشرق الأوسط وأفريقيا.

2. “البحر الإريتري” – الاسم اليوناني القديم

أول اسم معروف أُطلق على البحر الأحمر في المصادر التاريخية كان “البحر الإريتري”، وهو مصطلح يوناني قديم. يعتقد البعض أن هذا الاسم جاء من كلمة “إريتريا” التي تشير إلى المنطقة التي تقع شمال البحر الأحمر، والتي كانت تعرف في العصور القديمة بأنها أرض البحر الأحمر.

ووفقًا للمصادر اليونانية، فإن الإغريق كانوا يطلقون هذا الاسم على البحر الذي يربط بينهم وبين مناطق البحر العربي. كان البحر الإريتري يُعتبر معبرًا تجاريًا مهمًا للعديد من الأمم القديمة، بما في ذلك الفراعنة المصريين والآشوريين. يذكر أن الإغريق كانوا في تلك الفترة يستخدمون هذا المصطلح للإشارة إلى البحر الذي يمر بجنوب شبه الجزيرة العربية.

3. “البحر الأحمر” – التسمية الشهيرة

تاريخيًا، ارتبط البحر الأحمر بالعديد من الأساطير والقصص التي تناولت ألوانه وصفاته الجغرافية، لعل أبرزها أنه سُمي “البحر الأحمر” بسبب اللون الأحمر الذي يظهر في بعض أوقات السنة نتيجة لوجود نوع من الطحالب البحرية التي تنتج صبغة حمراء. وتعد هذه الظاهرة من الظواهر الطبيعية النادرة التي تحدث في بعض فترات العام، مما أضاف إلى سحر البحر وأسراره التي أثارت فضول البحارة والمستكشفين القدامى.

لكن هل كان البحر الأحمر يعرف بهذا الاسم دائمًا؟ الجواب هو لا، فالتسمية الحقيقية “البحر الأحمر” ارتبطت بالأساطير القديمة، وكان الإغريق أول من استخدم هذا الاسم. فعلى الرغم من أن “البحر الإريتري” كان هو الاسم الأكثر شيوعًا في العصور القديمة، إلا أن البحر الأحمر استمر في أن يكون معلمًا طبيعيًا مهمًا بسبب موقعه الجغرافي واستخدامه في رحلات التجارة.

4. “بحر الحجاز” و “بحر العرب” في العصور الإسلامية

خلال العصور الإسلامية، تغيرت بعض التسمية السابقة للبحر الأحمر، ليصبح له أسماء أخرى مرتبطة بالمناطق التي يقع بالقرب منها. ففي المصادر العربية، كان يُطلق على البحر الأحمر اسم “بحر الحجاز”، وذلك نسبة إلى شبه جزيرة الحجاز التي تمتد إلى غرب البحر الأحمر وتعد نقطة تماس مهمة بين البحر وأراضي الحجاز.

إضافة إلى ذلك، كان يُطلق عليه أيضًا اسم “بحر العرب”، وكان هذا الاسم يعكس الواقع الجغرافي للبحر الذي يحده من الغرب أراضي شبه الجزيرة العربية ومن الشرق أراضي القارة الإفريقية. ويعكس هذا الاسم أهمية البحر الأحمر في التواصل بين شعوب الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، خصوصًا من خلال التجارة البحرية.

5. البحر الأحمر في الثقافات المختلفة

من خلال تطور العصور وتفاعل الشعوب المختلفة مع البحر الأحمر، حصل هذا البحر على أسماء متعددة في لغات وثقافات متباينة، وهذا يظهر ارتباطه الوثيق بالحضارات القديمة. فعلى سبيل المثال:

• في اللغة العبرية، كان يُعرف البحر الأحمر باسم “يَم سوف”، ويُذكر هذا الاسم في التوراة في قصة خروج بني إسرائيل من مصر.

• في اللغة الفارسية، كان يُطلق على البحر الأحمر اسم “دریای سرخ” (درياى سرخ) الذي يترجم مباشرة إلى “البحر الأحمر”.

• في اللغة اللاتينية، ورد الاسم كـ “Mare Rubrum” وهو نفس التسمية التي تم تبنيها في اللغات الأوروبية الحديثة.

6. الأساطير والتفسير الشعبي لتسمية البحر الأحمر

بعيدًا عن التفسيرات الجغرافية والتاريخية، فإن البحر الأحمر قد ارتبط بالعديد من الأساطير الشعبية التي شكلت جزءًا من التفسير الثقافي للمجتمعات القديمة. من أشهر هذه الأساطير، أسطورة الانفصال التاريخي للمياه التي يرويها الكتاب المقدس في قصة “خروج بني إسرائيل” من مصر. ففي تلك القصة، يُقال أن البحر الأحمر انشق ليفصل بين بني إسرائيل والجيش المصري، وهو ما أعطى البحر مكانة هامة في الثقافات اليهودية والمسيحية.

من جهة أخرى، اعتقد بعض المؤرخين القدامى أن اسم البحر الأحمر قد يكون مستمدًا من لون المياه، الذي تغير أحيانًا بفعل الطحالب الدقيقة الحمراء التي تغطي سطح المياه، مما يعطي البحر مظهرًا لونه أحمر.

7. البحر الأحمر في العصر الحديث

في العصر الحديث، أصبح البحر الأحمر يكتسب أهمية اقتصادية كبيرة بفضل قناة السويس التي تربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. حيث يعد البحر الأحمر اليوم من أهم الطرق التجارية البحرية التي تستخدمها السفن لعبور التجارة بين الشرق والغرب.

كما أن البحر الأحمر يعد من الوجهات السياحية الرائعة، بفضل شواطئه الخلابة، والشعاب المرجانية التي تجذب السائحين من مختلف أنحاء العالم. وبذلك، ظل البحر الأحمر يحتفظ بجاذبيته التاريخية والجغرافية، إلى جانب تسمياته المتعددة التي ارتبطت به عبر العصور.

8. الخاتمة

البحر الأحمر، الذي ظل يحمل اسمه هذا عبر العصور، ليس مجرد مسطح مائي عادي، بل هو نقطة تلاقي ثقافات وحضارات متعددة. منذ العصور القديمة، حمل البحر أسماء مختلفة تعكس في جوهرها العلاقة بين الإنسان والمحيط، وكيف شكل البحر جزءًا من الحياة الاقتصادية، الاجتماعية، والدينية في تلك العصور.

مهما اختلفت التسميات وتنوعت الأساطير حول هذا البحر، يظل البحر الأحمر واحدًا من أهم المسطحات المائية في العالم، وهو يشهد على التفاعلات المتنوعة بين البشر والطبيعة، ويظل يحتفظ بمكانته الفريدة في التاريخ القديم والحديث على حد سواء.